قواعد مهمة في المعاملات
لو نظرت إلى ما جاء من الشرع في المعاملات من المعاواضات والتبرعات وأداء الحقوق بين الناس لوجدت أنه جاء على وفق ما تقتضيه المصلحة. وهنا قواعد في هذا الباب تضبطه وتوضحه. فالتشريع الإسلامي قائم على قواعد العدل التي لا غنى للخلق كلهم عنها ولو وُكّل الناس إلى عقولهم فإن هذه العقول تكون تبعا للأهواء والأغراض وسيحصل من ذلك مفاسد عظيمة بقدر ما يخرج عن نظام الشريعة. لهذا كان من الضروري أن يحل الله البيع للتعامل بين الناس في ذلك وحل البيع دليل على شمول الشريعة فهي شاملة لمصالح الناس الدينية والدنيوية وأنها ليست كما قال الأعداء وزعموا أنها لا تنظم إلا المعاملات التي بين الخالق والمخلوق بل هي تنظم المعاملات بين الخالق وبين المخلوقين بعضهم مع بعض وتنظيمها للمعاملة بين المخلوقين مع بعضهم من الأمور المهمة التي اعتنى بها الإسلام. لأنه لولا ذلك لأكل الناس بعضهم بعضا واعتدى الناس بعضهم على بعض. فكان من مقتضى حكمة الله عز وجل أن تنظم المعاملات بين الخلق لئلا ترجع إلى أهوائهم وعدوانهم، ثم إن أطول آية في كتاب الله عز وجل هي آية الدين وهي في المعاملات بين (الخلق) فكيف يقال إن الشريعة الإسلامية تنظم المعاملة بين الخالق والمخلوق فقط ولهذا لما قال رجل من المشركين لسلمان الفارسي -رضي الله عنه- قالوا له: ‘علمكم نبيكم حتى الخراءة’ قال: ‘أجل’ يعني آداب قضاء الحاجة ففي السنة آداب قضاء الحاجة وفي القرآن آداب الجلوس كما يقول الله تعالى: {إِذَا قِیلَ لَكُمۡ تَفَسَّحُوا۟ فِی ٱلۡمَجَـٰلِسِ فَٱفۡسَحُوا۟} وآداب الاستئذان وآداب الدخول (إذا دخلتم بيوتا فسلموا على أنفسكم). فالشريعة -والحمد لله- شاملة لكل شيء لكن من الأشياء ما تنص عليه الشريعة بعينه ومن الأشياء ما يكون داخلا تحت قاعدة عامة من قواعد الشريعة. ولقد أخطأ من قال إن النصوص لا تفي بعشر ما يحتاج الناس إليه. بل الواجب أن يقال إن النصوص وافية بكل ما يحتاجه الناس إليه. ولكن من الأشياء ما هو منصوص عليه ومنها ما يذكر تحت القواعد العامة يدركها المسلم علما وفهما. ولو نظرنا إلى المعاملات التي جاءت بها الشريعة لوجدنا أن هناك قواعد تميزت بها الشريعة.
القاعدة الأولى: جعلت الشريعة هذه المعاملات جزءا من دين الإسلام. فقد علق الشارع هذه المعاملات على تقوى الله عز وجل. ومخالقة الناس بالخلق الحسن وأن الأمر لا يعود فقط إلى مراقبة النظام أو ما يتعلق بالنظام، بل الإنسان يجب عليه أن يكون عليه من نفسه رقيبا وأنه سيحاسب على تصرفاته فيكون يجعل من نفسه رقيبا على نفسه وأن الله محاسبه على تصرفاته كما يحاسبه على أمورالدين كذلك يحاسبه على أمور المعاملة وفي ذلك جاء حديث النبي صلى الله عليه وسلم «اتق الله حيثما كنت وأتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن». وهذا الحديث جمع أصول المعاملة كلها.
القاعدة الثانية: أن هذه المعاملات قائمة على العدل والمصلحة. لأن التشريع الإسلامي منزل من خالق البشر الذي يعلم مصالحهم وهي مبنية على العدل الكامل. فلا ميل فيها لأحد على حساب آخر وهي قائمة على الموازنة بين مصلحة الفرد ومصلحة المجتمع.
القاعدة الثالثة: أن الشرع وسع على الناس وأباح لهم كل ما فيه مصلحة. . فأباح لهم كل ما فيه مصلحة راجحة محضة أو مصلحة راجحة. لذلك (أباح لكل أحد) التعامل بكل ما لا ضرر فيه ولا مفسدة من المعاملات. أيضا أباح العقود التي فيها مصلحة للناس مثل الإجارة والشركات بأنواعها.
القاعدة الرابعة: مشروعية كل ما فيه ضمان لحقوق الناس والحفظ لهذه الحقوق مثل الرهن والإشهاد وضمان.
القاعدة الخامسة: مشروعية كل ما فيه التعاون على الخير والتأليف لقلوب الناس والتيسيرعليهم مثل القرض والعارية.
القاعدة السادسة: مشروعية كل ما فيه مصلحة للمتعاقدين مثل الإقالة والخيار.
القاعدة السابعة: أن الشريعة راعت ما فيه صيانة الناس من الوقوع في المحارم وهذا من أهم ما تميزت به تشريعات المعاملات، فالشريعة راعت ما فيه صيانة الناس من الوقوع في المآثم فلذلك منعت الشريعة كل ما فيه مفسدة تؤثر على الفرد أو على المجتمع فحرمت كل ما يتضمن ظلم الناس بأكل أموال الناس بينهم بالباطل مثل الربا والغصب والاحتكار. كذلك حرمت كل ما يتضمن أكل المال بغير عمل ولا كسب ولا تعب ولا عمل نافع مثمر مثل القمار والربا وتحريم كل معاملة يغلب فيها الجهالة والغرر مثل بيع ما لا يملك وبيع الشيء المجهول. أيضا حرمت كل ما يشغل عن طاعة الله تعالى مثل البيع بعد النداء الثاني لصلاة الجمعة وأيضا تحريم كل ما يورث العداوة والأحقاد بين المسلمين أو يؤغرصدورهم على بعضهم مثل بيع الرجل على بيع أخيه.
القاعدة الثامنة: احترام الشروط التي تكون بين الناس وليس فيها مخالفة للشرع.وإيجاب الوفاء بالعقود والتزاماتها كما قال الله تعالى:{ یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ أَوۡفُوا۟ بِٱلۡعُقُودِۚ)
🖊 أ. د. عبد السلام بن سالم السحيمي